غزة/ دعاء الحطاب:
يوماً بعد الأخر، تتصاعد وتيرة جرائم قطعان المستوطنين واعتداءاتهم ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، ولا سيما المزارعين وأراضيهم وممتلكاتهم، والتي تتمثل بـ" الاعتداء الجسدي وسرقة ثمار الزيتون وحرق الأشجار وتخريب الممتلكات ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، القتل العمد"، تحت حماية مباشرة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، في تجسيد واضح لوحدة المنظومة القائمة على تنفيذ سياسة الدولة باضطهاد الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم.
وتأتي هجمات المستوطنين بالتزامن مع خطوات توسعية جديدة تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضمن سياسة فرض الأمر الواقع على الأرض.
وخلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نفذ المستوطنون 766 اعتداءً على المواطنين وأراضيهم وممتلكاتهم، وفقًا لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
وأضافت الهيئة أن المستوطنين نفذوا 352 عمليات تخريب وسرقة لممتلكات فلسطينيين، طالت مساحات شاسعة من الأراضي.
وتسببت اعتداءات المستوطنين بمساعدة جيش الاحتلال باقتلاع وتخريب وتسميم 1200 شجرة كلها من أشجار الزيتون.
فيما حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في بيان، من الارتفاع الحاد في وتيرة العنف، قائلًا: إن "هذه الهجمات، التي أسفرت عن شهداء وإصابات وأضرار في الممتلكات، بلغت في المتوسط 8 وقائع يوميًا".
وأضاف المكتب "منذ عام 2006، وثّقنا أكثر من 9600 هجوم من هذا النوع. ووقع 1500 منها تقريبًا هذا العام وحده، أي ما يقارب 15% من الإجمالي".
وذكر أن أعمال عنف المستوطنين أسفرت عن تهجير 3 آلاف و200 فلسطيني من أرضهم، وقتل كثيرين بالرصاص، وإصابة مئات غيرهم، وفقدان آخرين كثر لمصادر رزقهم.
جرائم منظمه ومدعومة
المختص في شؤون الاستيطان د. صلاح الخواجا، أكد أن جرائم واعتداءات المستوطنين المتصاعدة ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية، ليست عشوائية، بل جرائم منظمة ذات إطار سياسي وقانوني، ومدعومة من حكومة الاحتلال بالمال والسلاح، لترسيخ واقعاً جديداً على الأرض.
وأوضح الخواجا لـ "الاستقلال"، أن حكومة الاحتلال تهدف إلى توظيف عنف المستوطنين كأداةٍ لترسيخ السيطرة الإسرائيلية، بالتوازي مع تسارع وتيرة التوسّع الاستيطاني ومصادرة الأراضي، في مسعى لفرض الضمّ الفعلي للضفة الغربية وتهجير سكانها الفلسطينيين.
وبين أن عمليات الاستيلاء والاستيطان من قبل قطعان المستوطنين تصاعدت بشكل خطير في السنوات الأخيرة، مستغلة أجواء حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة، وتبني حكومة الاحتلال سياسة الإبادة بمناطق واسعة في الضفة الغربية، فهناك إبادة للأرض بسرقتها ومصادرتها وتشريد أهلها، وعمليات التهجير القسري، حيث تم تهجير 23 تجمع بدوي بالكامل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الاول 2023، بالإضافة لتهجير عدداً من التجمعات بشكل جزئي.
وأضاف:" أن المخططات الهيكلية للمستعمرات الإسرائيلية استولت على 8% فقط من أراضي الضفة ما بين عامين (1967-2022)، بالمقابل سيطرت البؤر الرعاوية الاستيطانية على 14% من أراضي الضفة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، بالإضافة لعملية المصادرة الكبرى التي تمت بعد بناء جدار الفصل العنصري والسيطرة على 11% من أراضي الضفة خالية بدون سكان".
ونبه إلى خطورة ما يعرف بـ"الاستيطان الرعوي"، وهو شكل استيطاني غير مكلف بالمقارنة مع المستوطنات التقليدية، لكنه يمتد على مساحات شاسعة تُقدّر بنحو 786 ألف دونم، ونتيجة لهذه السياسة، تم إخلاء نحو 70 تجمعًا فلسطينيًا، بعضها كبير الحجم، بفعل الاعتداءات المباشرة للمستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال.
وشدد الخواجا أن على ضرورة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتوحيد الموقف القوى الشعبية كافة، لمواجهة عمليات المستوطنين المستمرة في إطار الخطة الإسرائيلية الرامية لفرض وقائع جديدة على الأرض والسيطرة على مقدرات الشعب الفلسطيني.
بيئة طاردة للفلسطينيين
وبدوره، يرى المختص بالشأن الإسرائيلي علاء الريماوي، أن الاستيطان بالضفة تحول إلى دولة لها جيشها ومؤسساتها وحكمها، والاحتلال الإسرائيلي بمنظومته الأمنية والسياسية داعمٌ لها، في محاولة لخلق حالة من الحرز الديمغرافي والجغرافي المتمدد على حساب الفلسطينيين ومصادرة أرضهم وممتلكاتهم وانتهاك حقوقهم، مبيناً أن المستوطنين بالضفة باتوا بمثابة بيئة طاردة للفلسطينيين.
وقال الريماوي لـ "الاستقلال"، أن زيادة الانتهاكات والاعتداءات الخطيرة للمستوطنين لم تكن مفاجئة، بل هي نتيجة مباشرة لسياسات حكومة اليمين الحالية، التي أطلقت يد المستوطنين في الضفة الغربية ومنحتهم دورًا تنفيذيًا يفوق أحيانًا دور الجيش".
ويضيف: "إن أكثر 30 فلسطينيًا استشهدوا بنيران المستوطنين منذ 7 أكتوبر 2023، وهذه حصيلة متوقعة في ظل التحريض العلني على استخدام السلاح ضد الفلسطينيين"
وأوضح أن غياب المسألة والمحاسبة قضائية شكل أرضية خصبة لتصاعد جرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين، بالإضافة إلى قيام وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير بتسليح أكثر من 250 ألف مستوطن، في خطوة تكشف بوضوح عن سياسة إسرائيلية لتحويل المستوطنين لعصابة منفذه لعمليات قتل وترهيب نوعية باتجاه الفلسطيني.
ويعيش المواطنين بالضفة كابوسا حقيقيا نتيجة إفلات المستوطن من العقاب وعدم إلزامه بأي ضوابط من قبل حكومة الاحتلال، في المقابل لا يوجد للفلسطيني اي مُنصف، فالسلطة لا تقوم بدور حمايته، والاغاثة والدولية معدومة فيما يتعلق بجرائم المستوطنين وجموعهم، وكذلك على الصعيد القانوني الإسرائيلي الداعم لمنظومة الاحتلال الذي أنشأ دولة المستوطنين بالضفة الغربية. وفق الريماوي.
وتوقع أن تشهد الضفة الغربية مرحلة أكثر خطورة، حيث سيتحوّل الصراع بشكل أكبر إلى مواجهة مفتوحة بين المواطنين العُزّل ومجموعات المستوطنين المسلحة والمدعومة رسميًا، ما يهدد بجرّ المنطقة إلى دائرة أوسع من العنف والتهجير، محذرا من إقدام المستوطنين على ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين المارين على طرقاتهم أو داخل قراهم وحقولهم.
أداة لترسيخ السيطرة
وبدوره قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ التصاعد الخطير في جرائم المستوطنين ضدّ الفلسطينيين بالضفة الغربية، والذي بلغ ذروته مع انطلاق موسم قطف الزيتون، يجري وسط غياب تام لأيّ إجراءات للردع أو المساءلة، وغالبًا ما يُنفَّذ تحت حماية مباشرة من الجيش الإسرائيلي، بما يعكس نهجًا رسميًا ومنهجيًا يهدف إلى توظيف عنف المستوطنين كأداةٍ لترسيخ السيطرة الإسرائيلية، بالتوازي مع تسارع وتيرة التوسّع الاستيطاني ومصادرة الأراضي، في مسعى لفرض الضمّ الفعلي للضفة الغربية وتهجير سكانها الفلسطينيين.
وذكر المرصد الأورومتوسطي في بيان له أمس، أنّ هذا التصعيد المنهجي يأتي ضمن مسعى أوسع لإحكام السيطرة الإسرائيلية على الضفة عبر تفريغها من سكانها الفلسطينيين وتوسيع دائرة النفوذ الاستيطاني، جغرافيًا ووظيفيًا، وتحويل المستوطنين إلى أذرع تنفيذية للجيش في عمليات الاعتداء والمصادرة، وفرض أنماط جديدة من السيطرة الميدانية تُكرّس واقع الفصل والعزل بين التجمعات الفلسطينية، وتُجهض أي إمكانية لقيام كيان فلسطيني متصل أو مستقل.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ فريقه الميداني رصد خلال الأسابيع الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في اعتداءات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين، ولا سيما المزارعين، والتي شملت الاعتداء الجسدي وسرقة ثمار الزيتون وحرق الأشجار وتخريب الممتلكات ومنع الوصول إلى الأراضي الزراعية، موضحًا أنّ عشرات هذه الهجمات نُفّذت بحماية مباشرة من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، فيما شارك جنود في بعضها، في تجسيد واضح لوحدة المنظومة القائمة على تنفيذ سياسة الدولة باضطهاد الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم.
وأوضح الأورومتوسطي أنّه وثّق في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري استشهاد الفلسطيني “أحمد ربحي الأطرش” برصاص مستوطن إسرائيلي على الطريق رقم (35) قرب مدخل “رأس الجورة” شمال مدينة الخليل، إذ حاولت السلطات الإسرائيلية تبرير الجريمة بالادعاء أنّ المستوطن أطلق النار على الضحية بزعم محاولته سرقة سيارته، دون تقديم أيّ أدلة على ذلك، حيث منعت القوات الإسرائيلية طاقم إسعاف جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليه، ما أدّى إلى نزفه حتى الموت، قبل أن تحتجز جثمانه وتسلمه في اليوم التالي.
وأشار إلى أنّ استشهاد “الأطرش” يرفع عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا على يد المستوطنين إلى 13 منذ مطلع عام 2025 و37 منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي حصيلة غير مسبوقة تعكس تصعيدًا خطيرًا في طبيعة العنف، وانتقاله من استهداف الممتلكات إلى استهداف مباشر للأرواح.


التعليقات : 0